قصة الكون يرويها أصغر الجسيمات – الحلقة الثانية

قصة الكون
  |   علوم

محدثكم الكوارك بعد إلقاء التحية… أؤكد على أني قرنت عهدي باستكمال رواية الكون بحفاظ الكاتب على قلمه الذي أتواجد فيه، وها أنذا أعقد وثاق عهدي مع القراء فـ “وعد الكوارك دين عليه”. ولكني أحدثكم الآن من موقع مختلف فقد تحولنا جميعا إلى حبر على ورق، وعشت سويا مع الكاتب أيامًا عصيبة.

توقفنا في الحلقة السابقة عندما قرعت الساعة الـ 10^-43 جزء من الثانية من عمر الكون ومن دون سابق إنذار، الأشياء تتمدد وتبتعد بلا توقف، الكواركات ومضاداتها تتصادم بعنف منتجة أمواجًا هائلة من الطاقة والضوء، لا تستطيع الفرار من كثافة المكان ودرجات الحرارة مرتفعة للغاية.

مع مرور الزمن وكلما ازداد المكان في التوسع، كلما قلت كثافته وانخفضت درجات الحرارة شيئًا فشيئًا. إننا نراقب عقارب الزمن تتثاقل خطاها منتظرة ما يخبئ لها المستقبل إلى أن دقت الساعة الـ 10^-6 جزء من الثانية من عمر الكون، عندها تكونت البروتونات والنيوترونات علمًا بأن كلًا منها تتكون من ثلاثة كواركات… أراقب كواركين زميلين ممن تبقى من آثار ملحمة التصادم مع مضادات الكواركات يقتربان ليلتحمان بي في مشهد لم أعهده من قبل، وكأن القدر قد اختارنا لمهمة سامية، تكوين أول بروتونات التاريخ بأكمله.

ما زال المكان يتمدد والحرارة تنخفض مقرونة بانخفاض الكثافة، ومضى بنا الدهر بتقلباته إلى حين مرور ٣٠٠,٠٠٠ سنة من عمر الكون ووصلت درجة الحرارة حينها إلى ١٠,٠٠٠ درجة مئوية مما سمح إلى بروتون وإلكترون بالاتحاد وتكوين ذرة الهيدروجين التي تعد من أبسط العناصر المكونة من بروتون وحيد وإلكترون. من مكاني داخل البروتون أشاهد إلكترون يدور في مساره، يثور بداخلي الآن شعور بالفتوّة بانتمائنا إلى ذرة الهيدروجين ممزوج بالتساؤل عن المستقبل المهيب المنتظر، فلا أخفي سرًا أن الوتيرة تتصاعد ولا تتوقف كالموج الهائج، تنخفض الحرارة، يتكون الهيدروجين أكثر وتتكتل ذراته مثل التلال في الفضاء… وسأغري تفكير القارئ بإيضاح أن ذرات الهيدروجين سيتكون منها كل المادة من نجوم وكواكب ومجرات. وأعقد أواصر التفكير بأن الهيدروجين هو أكبر عناصر الجدول الدوري انتشارًا وهذا يُعد دليلًا على صحة النظرية.

إن تكتّل الهيدروجين سمح بنشأة بعض الفراغات في الفضاء مما سمح بمرور أول موجات الضوء في التاريخ بعد فشلها في الهروب من كثافة المكان في القديم، سافرت عبر الفضاء حتى تمكنا من رصدها وأصبحت أقوى الأدلة على نظرية الـ “Big Bang “.

في المقال القادم إن كان في الحبر بقية وفي عمر الكاتب بقية، سأستضيف كوارك زميل من موجة ضوء لأني أفهم قليلًا في فيزياء الضوء وأعظم ما نفتقده اليوم هو التخصص ليحدثنا عن مسار هذه الموجات؛ عن ماضيها ومستقبلها.

إعداد: محمد نصار

قصة الكون يرويها أصغر الجسيمات – الجزء الاول

المؤلف - ريكاب

مجلة علوم عربية تهتم بتقديم محتوى علمي لنشر الثقافة العلمية والإحاطة بكل ما هو جديد في مجالات الهواتف الذكية والإنترنت.

لا يوجد تعليقات

كتابة تعليق